في الصلاة يقف الإمام عند صدر الذكر ووسط الأنثى، وفرضها أن يكبِّر ناويًا ثم يقرأ الحمد، ثم يكبر فيصلي على محمد صلى الله عليه وسلم كالتشهد، ثم يكبر فيدعو للميت، ثم يكبر فيسلم واحدة عن يمينه، ويصلي على القبر وعلى الغائب بالنية إلى شهر، ويقضي ما فاته ولا يصلي الإمام على غالٍّ ولا قاتل نفسه.
--------------------------------------------------------------------------------
بعد ذلك ذكر الصلاة على الميت، القصد من الصلاة عليه تزويده بدعوات المسلمين؛ لأنه قد انقطع عمله، فيودعونه بهذه الصلاة التي لها صفة خاصة: لا ركوع فيها ولا سجود إنما هو قيام، ثم تكبيرة يدعون الله -تعالى-، الأكثرون على أن التكبيرات عليها أربع، وجاء في رواية: أن عليا -رضي الله عنه- صلى على سهل بن فهير فكبر ستا وقال: إنه بدري. أي: من أهل بدر، فكأنه يرى أن الذين لهم فضل يزاد في التكبير عليهم، فلا بأس إذا صلي على أحد الأكابر والعباد ونحوهم أن يكبر عليه خمسا أو ستا، وأكثر ما رُوي أن يكبر عليه سبعا.
يقف الإمام عند صدر الرجل، وقيل: عند رأسه، والرأس والصدر متقاربان، قالوا: الحكمة أن الرجل كُلِّف بقلبه، وأن أكثر كسبه وأكثر سيئاته تكون بالقلب أو بالرأس، فيقف عند الرأس أو عند الصدر أو بينهما، أما المرأة فيقف عند وسطها، أي: عند وسطها، أي مقابل عورتها وعجزتها، قيل: إن ذلك لأجل أن يسترها عما وراءها، يستر هذا المكان، وقيل: غير ذلك، هكذا روي، وإذا جيء بجنازتين، رجل وامرأة، فإن الإمام يقدم المرأة حتى يكون وسطها مقابلا لصدر الرجل، فيقف عليهما جميعا.
أركان الصلاة أربعة أو خمسة: القيام، فلا يصلي وهو قاعد إلا لعذر، وقراءة الفاتحة، وأربع تكبيرات، والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، والدعاء للميت، والتسليم، فتكون ستة أركان: قيام، وتكبيرات، والفاتحة، والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، والدعوة للميت، والسلام.
فأولا أن يكبر ناويًا الصلاة على هذا الميت، ولا يلزمه أن يعرف هل هو ذكر أم أنثى، وإذا دعا فإنه يدعو دعاء عاما، إن كان رجلا ذَكَّر الضمير بقوله: "اللهم اغفر له وارحمه" وإن كان أنثى أَنَّث الضمير فيقول: "اللهم اغفر لها وارحمها" وهكذا يقرأ الفاتحة بعد التكبيرة الأولى ولا يستفتح، لا يقول: سبحانك اللهم... إلى آخره، يكبر الثانية يصلي على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- كما في التشهد، "اللهم صلِّ على محمد وآل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد" يكبر الثالثة ويدعو للميت، يحرص على الإخلاص له، في حديث عند أبي داود: إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء يعني: أكثروا من الدعاء له واختاروا الأدعية الجامعة.
ذكروا أن الدعاء ينقسم إلى قسمين: دعاء عام، ودعاء خاص، العام أن يقول: "اللهم اغفر لحينا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا، وشاهدنا وغائبنا، وذكرنا وأنثانا، إنك تعلم منقلبنا ومثوانا، وأنت على كل شيء قدير، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته فتوفه على الإيمان" هذا الدعاء العام، الدعاء الخاص في حديث عوف بن مالك: أنه صلى على جنازة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: فحفظت من دعائه "اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله" يقول عوف: حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت لدعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- له بذلك .
وهناك أدعية أيضا واردة مثل قوله: "اللهم أنت ربه وأنت خلقته وأنت قبضت روحه، وأنت أعلم بسره ونجواه، جئنا شفعاء إليك فاغفر له، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه، اللهم إنك غني عن عذابه وإنه فقير إلى رحمتك، اللهم إنه عبدك وابن عبدك، نزل بجوارك وأنت خير منزول به، ولا نعلم إلا خيرا فتجاوز عنه".. وأشباه ذلك توجد في كتب الأدعية.
يكبر الرابعة ويسلم واحدة عن يمينه، هذا هو المختار، ولكن لو سلم تسليمتين فلا ينكر عليه؛ فقد روي ذلك.
يقول: يصلَّى على القبر، لكن حددوا أنه إلى شهر، ولكن لأنه يصلى على القبر لمن لم يكن حضر الصلاة عليه ولو بعد سنة أو بعد سنوات؛ لأن الصلاة على القبر وإن كان الميت قد فني فإنها صلاة على جسمانه أو على محل مواراته فيصلى عليه.
أما الصلاة على الغائب فثبت: أنه -صلى الله عليه وسلم- صلى على النجاشي لما جاءه خبره، أطلعه الله -تعالى- على ذلك فقال: إن أخاكم أصحمة النجاشي قد مات فصلوا عليه. فقام فصفوا خلفه وكبر أربعة فأخذوا من ذلك أنه يُصلَّى على الغائبين، ولكن لأن ذلك خاص وليس بعام، فقد مات كثيرون في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- غائبين ولم ينقل أنه صلى عليهم، فيمكن أن يكون ذلك خاصا بالملوك أو بالعلماء الأكابر ونحو ذلك.
هذا هو الصلاة على الغائب بالنية، وتحديدهم بأنه إلى شهر قالوا: إن أم سعد بن عبادة ماتت وهو غائب، فقدم بعد شهر فأذن له النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يصلي على قبرها ولم يَرِد النهي عن الصلاة على القبر بعد شهر، قد روي: أنه -صلى الله عليه وسلم- صلى على شهداء أُحُد بعد ثماني سنين كالمودع للأحياء والأموات .
قولـه: "ويقضي ما فاته" أي: من التكبيرات، إذا جئت وهم قد كبروا تكبيرتين فإنك تكبر معهم الثالثة وتقرأ فيها الفاتحة بسرعة، وتصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- وتبدأ في الدعاء على الميت ولو أن تقول: "اللهم اغفر له وارحمه" وإذا سلموا لا تسلم، بل إذا كبروا الرابعة كبرت معهم، وبعد ما يسلم تكبر التكبيرتين اللتين فاتتا تكبرهما سردا، الله أكبر الله أكبر، حتى تكبرها قبل حمل الميت، ثم بعد ذلك تسلم بعد سلامهم.
"ولا يصلي الإمام على الغَالِّ ولا على قاتل نفسه" الغال: هو الذي يغل من الغنيمة، الذي يسرق شيئا من الغنيمة ويخفيه، الغنيمة إذا غنمت فإنها للغانمين كلهم، يعني: أموال الكفار وذخائرهم تكون لمن حضر الوقعة، فإذا جاء أحد وأخفى منها شيئا، أَخَذَ من نقود أو أَخَذَ من أمتعة، فإن ذلك حرام؛ قال الله -تعالى-: " وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جيء النبي -صلى الله عليه وسلم- برجل قد غل، فامتنع من الصلاة عليه وقال: إن صاحبكم قد غل ففتشوا متاعه. فوجدوا خرزا من خرز اليهود لا يساوي ثلاثة دراهم ومع ذلك امتنع أن يصلي عليه.
ولا يصلي على قاتل نفسه، وما ذاك إلا لعظم ذنبه، أنه أقدم على قتل نفسه، فمن باب الزجر عن هذا الفعل لا يصلِي عليه، بل يحرص على أن لا يصلي عليه الإمام، أما أهله ومن حوله وجماعة المسجد لهم أن يصلوا على قاتل نفسه، ويصلوا على الغالِّ، هذا ما يتعلق بالصلاة عليه.
حمل الجنازة والسير بها
فصل
يسن الإسراع بها، والتربيع بوضع المقدمة اليسرى على كتفه اليمنى إلى الرجل، ثم اليمنى على كتفه اليسرى إلى الرجل، والمُشاة أمامها، ولا يجلس حتى توضع، ولا يقام لها، ويسجي قبر الأنثى.
--------------------------------------------------------------------------------
بعد ذلك يبقى حمل الميت بعد ما يُصَلى عليه، أو قبل أن يصلى عليه، يقول: "يسن الإسراع بها" هكذا يستحبون الإسراع بالجنازة؛ جاء في الحديث قوله -صلى الله عليه وسلم-: أسرعوا بالجنازة فإن تَكُ صالحة فخيرٌ تقدمونها إليه، وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم حمله بعضهم على أن الإسراع هو شدة السير، يعني: إذا حملوها أن يسرعوا بالسير إلى القبر أو إلى المُصلَّى.
ولعل المراد بالإسراع هنا الإسراع بالتجهيز؛ وذلك لأن قوله: "تضعونه عن رقابكم" أي: تفرغون من الاهتمام به، أي: تتخلصون منه، شيء يلزمكم وهو تجهيز الميت؛ وذلك لأن الجميع ليس كلهم يحملونه على رقابهم، إنما يحمله عادة أربعة، فإذا كان كذلك فالأقرب أنه: "أسرعوا بالجنازة" يعني: أسرعوا بتجهيزها، أسرعوا بفعلها، يعني بالتكفين وبدء بالحمل وما أشبه ذلك.
ذكر أنه مر على النبي -صلى الله عليه وسلم- بجنازة يسرعون بها حتى كأنما تنقض نقضا -يعني: من شدة السير- فأنكر ذلك عليهم يعني: أنكر شدة السير مخافة أنهم مع تحريكهم لها يخرج من الميت شيء فيلوث أكفانه وغير ذلك؛ فلذلك يمشون بها مشي العادة، لا إسراع شديد ولا تباطؤ شديد.
"يسن التربيع" التربيع: أن يحمل قوائم السرير الأربع، يعني: إذا حملوها يأتي فيحمل مقدمة السرير -المقدمة اليمنى- فيجعلها على كتفه الأيسر قليلا -يعني خطوات-، ثم يتأخر فيحمل مؤخرة السرير التي هي اليمنى يحملها على كتفه الأيسر خطوات، ثم ينتقل إلى مقدمة السرير اليسرى يحملها على كتفه الأيمن خطوات، ثم يتأخر ويحمل مؤخرته اليسرى على كتفه الأيمن خطوات، ثم يأتي آخر كذلك، ثم ثالث ثم رابع، حتى يشتركوا في حمله، حتى يكون كأنه حمله؛ لأنه إذا حمل المقدم كأنه حمل الربع، وإذا حمل المؤخر كأنه حمل النصف، وإذا حمل المقدم كأنه حمل ثلاثة الأرباع، وإذا حمل المؤخر كأنه حمله كله؛ ليحصل له الأجر بحمله، هكذا يستحبون التربيع في حمله.
ومع ذلك لو حمله واحد، يعني: حمل المقدم إلى أن وصل إلى المقابر، أجزأ ذلك؛ لأنه والحال هذه يكون حمل جزءا كبيرا منه، وقد يكونون قليل، ففي هذه الحال إذا كانوا مثلا أربعة كل واحد منهم يحمل ربعا إلى أن يصلوا إلى المحل الذي يوضع فيه.
التربيع: وضع المقدمة اليسرى على كتفه اليمنى إلى الرجل، يعني: إلى أن يضع المؤخرة التي تلي الرجل، ثم اليمنى على كتفه اليسرى إلى الرجل، يعني: إلى أن يحمل أولا المقدمة التي فيها الرأس، ثم يحمل بعد ذلك المؤخرة التي فيها الرجل.
يقول: "يكون المشاة أمامها" كأنهم يختارون أن الركبان الذين يركبون على حُمُر أو خيل أو على إبل يكونون خلفها، وأما المشاة على أقدامهم فيكونون قُدَّامها، هكذا كانوا يفعلون، ولم يأت بذلك نص صريح، ولعل الصواب أنهم يخيرون، يجوز للمشاة أن يمشوا كلهم أمامها أو كلهم خلفها أو عن جانبيها، أو بعضهم أَمَامًا وبعضهم خَلْفًا، وكذلك الركبان يجوز أن يكون بعضهم خلفها وبعضهم عن جانبيها وبعضهم أمامها؛ فذلك الأمر فيه سعة إن كانوا يحملونها على الأكتاف.
وفي هذه الأزمنة تحمل على السيارات، أي: بعد توفر هذه المراكب الجديدة التي هي هذه السيارات يحملونها؛ وذلك لأن أماكن المقابر قد تكون بعيدة، ومن المشقة حملها خمسة كيلو أو نحوها؛ فلأجل ذلك يحملونها على السيارات، أما الأماكن التي المقابر فيها قريبة فإنها تحمل على الأكتاف، في مكة يحملونها على الأكتاف حتى يصلوا إلى المقبرة التي هي تسمى المهالات، مقابر أهل مكة ليست قبورا معتادة وإنما هي آبار عميقة، يأتون بالميت ويلقونه فيها ويسدون الفتحة التي يلقى فيها، وإذا جعلوا في هذه المقبرة قبورا، مائةَ قبرٍ أو نحوه فإنهم يغطونها، وإذا مضى ستة أشهر يأتون فيزحزحون العظام في جانب ثم يبدءون يلقون فيها وهكذا.
وأما مقبرة المدينة التي هي البقيع فإنهم يدفنون أيضا على القبور، يبدءونها من الجهة الشرقية، يدفنون ولو كان قد دفن فيها إلى أن يصلوا إلى الجهة الغربية، بعد خمسين سنة أو ستين سنة تمتلئ، ثم يبدءون أيضا المقدم، كانوا قديما لا يدفنون إلا بعد مائة سنة، ولكن الآن وقد كثرت الأموات صار كثير يأتون أو يوصون بأن يدفنوا في المدينة، اضطروا إلى أنهم في كل خمسين سنة أو أربعين سنة تمتلئ أو تقارب بالامتلاء.
وكل هذا فيه خطأ، الأرض واسعة، وبالنسبة إلى مكة لو جعلوا مقبرة واسعة قدرها مثلا اثنان كيلو في اثنين كيلو وحفروا فيها لأمكنهم أن يحفروا فيها مائة سنة لا تمتلئ أو ثمانين سنة، ثم بعد ذلك ينشئون مقبرة أخرى؛ الأرض حولها واسعة، وكذا أيضا المدينة حيث توفرت هذه المراكب -السيارات- التي تقرب البعيد، فلو جعلوا لهم مقبرة في جهة الشمال أو في جهة الجنوب في طريق مكة أو في طريق تبوك، يجدون أرضا واسعة، ولكن كأنهم يتبركون بهذه المقابر، يتبركون بالقبور التي دفن فيها الصحابة، وهذا لا يجوز، يتبركون بالقبور التي دفن فيها الصحابة في هذه المهالات فإنها مقبرة قديمة.
وبكل حال الأصل أن الأموات يقبر كل واحد منهم بقبر، أي: في قبر خاص حتى يتميز قبر فلان وقبر فلان بعدما يمضي سنوات: مائة سنة، أو مائتان.. لا شك أن القبور قد تكون اضمحلت وفنيت وأصبحت ترابا، فإذا صارت بعد ذلك منازلَ أو دُفِن عليها مرة أخرى للحاجة والضرورة فلا بأس بذلك.
من تبع الجنازة فلا يجلس حتى توضع عن الرقاب؛ وذلك من باب الاحترام، لكن لو تعبوا ووضعوها للاستراحة جاز أن يجلسوا، كما إذا كانت المقابر بعيدة قد يمشون مثلا اثنين كيلو وهم عددهم قليل فيتعبون فيضعونها للاستراحة، ثم بعد ذلك يجلسون عندها ثم يواصلون سيرهم.
يقول: ولا يقام لها، هكذا يختار الفقهاء، وبعضهم يستحب القيام، جاء في حديث: إذا رأيتم الجنازة فقوموا حتى تتوارى ومر على النبي -صلى الله عليه وسلم- بجنازة وكان جالسا فقام وقام الذين حوله وقفوا، فقالوا: يا رسول الله، إنها جنازة ليهودي! فقال: أليست نفسا فيقولون: يشرع إذا مرت الجنازة وأنت جالس أن تقوم؛ وذلك كما في بعض الروايات: إن للموت فزعا يعني: أن الإنسان إذا رآها فزع؛ فالموت له فزع وله هيبة فيقف، ثم ذكروا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قام للجنازة ثم قعد، يعني كان أولا يقوم ثم بعد ذلك ترك القيام، وكأنه رأى أنه ليس بواجب، لكن إذا قام الإنسان من باب الفزع إلى الموت فإنه أولى، يقوم واقفا حتى تتوارى عنه إذا كانت على الأكتاف أو كانت على السيارة.
"يسجى قبر الأنثى" إذا أدخل الميت في قبره -يعني- يسن أن يُْدخَل من قبل رجليه القبر ويُدَلَّى رأسُه، إذا دليت رجلاه فقد تتحرك معدته أو بطنه، فيسن أن يدلى من قبل رأسه، يجعل رأسه هو الأسفل ويتلقاه الذين في القبر، يتلقونه إلى أن يضعوه في لحده، فإن كان أنثى سن أن يستر رأس القبر، يجعل عليه ستارة يمسكها اثنان من طرفه واثنان من طرفه، تغطي القبر وتغطي الذين في داخله إلى أن يواروه، إلى أن يصفوا عليه اللبن على اللحد، ثم بعد ذلك ترفع تلك الستارة، هذا معنى "يُسَجَّى" يسجى قبر الأنثى، أما قبر الرجل فإنه لا يسجى، جاء علي -رضي الله عنه- إلى رجل وقد سجوا -يعني: غطوا- قبر رجل، فنزعه وقال: "إنما يُفعل هذا بالنساء" أي يفعل بالمرأة من باب الستر لها ولو أنها ميتة
كيفية دفن الميت والسنة في اللحد
ويجب دفنه مستقبِلا وسن في لحد ويرفع قيد شبر مسنمًا، ويكره تجصيصه والبناء عليه والاتكاء عليه والوطء عليه، ولا يدخله خشبًا ولا ما مسته نار، وينصب عليه اللبن، ويحسو عليه التراب ثلاثًا، ثم يهال التراب.
--------------------------------------------------------------------------------
"يجب دفنه مستقبلا" إذا وضع في اللحد يوضع على جنبه الأيمن، ويجعل وجهه إلى القبلة، ففي بلادنا يكون وجهه إلى القبلة إذا كان رأسه للشمال، وفي المدينة ونحوها يكون رأسه إلى الغرب ورجلاه إلى الشرق؛ حتى يكون وجهه إلى القبلة وفي جدة ونحوها يجعل رأسه إلى الجنوب ورجلاه إلى الشمال حتى يكون وجهه إلى القبلة، وفي الطائف ونحوها يجعل رأسه إلى الشرق ورجلاه إلى الغرب، وهكذا.. "يجب دفنه مستقبلا" يعني: مستقبلا القبلة.
"ويسن في لحد" اللحد: هو أنهم إذا حفروه مثلا مترا أو مترا ونصفا جعلوا في جهته التي تلي القبلة حفرا يسع الميت في الجهة التي تلي القبلة، فيسمونه لحدا؛ وذلك لأنه مائل عن سمت القبر، يعني بعدما يصلون إلى مستوى القبر ينظرون إلى الجهة التي تلي القبلة فيلحدون، يعني: يحفرون فيها: ذكر أنه لما مات النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في المدينة اثنان أحدهما يلحد والآخر يشق، أرسلوا إليهما وقالوا: من أتى منهما فإنه يعمل عمله للرسول -صلى الله عليه وسلم-، فجاء الذي يلحد فلحد للنبي -صلى الله عليه وسلم- .
أما الشق فإنهم إذا وصلوا إلى مستوى القبر شقوا في أصله -يعني: في نهايته- شقا في الوسط، ثم يتسع للميت إذا وضع فيه الميت جعل اللبن عليه مصفوفا، يصفونه صفا، وأما اللحد فإنهم ينصبونه نصبا، يقول سعد: "الحدوا لي لحدا وانصبوا علي اللبن نصبا كما فعل برسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
بعد ما يدفن يرفع القبر قدر شبر، وإن خيف أنه ينزل إذا نزل مطر زِيدَ وجُعل شبرين حتى يكون علامة، يكون له أمارة يعرف بها، هذا معنى "يرفع قيد شبر" يكون مُسَنَّمًا، أي: رأسه دقيقا، فلا يجعل رأس القبر مصفحا؛ لأنه قد يستقر عليه نحو المطر مما يسبب هبوطه ونزوله، ولكن يجعل مسنما، أي: رأسه دقيق كسنم الدابة، حتى إذا جاء المطر يَزِلُ من هنا ومن هنا يخفى هذا على كثير من الناس تسنيم القبر.
"يكره تجصيصه والبناء عليه" هكذا قالوا، والصحيح أنه حرام، أنه يحرم تجصيصه -بناؤه بالجص الذي هو قصة البيضة-؛ وذلك لأن فيه ما يسبب الفتنة إذا رآه العامة اعتقدوا أنه قبر شريف أو قبر ولي فيفتتنون به، كذلك يحرم البناء عليه، يعني: رفعه أكثر من غيره، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعلي: لا تدع صورة إلا طمثتها، ولا قبرا مشرفا إلا سويته مشرفا: يعني مرتفعا، إلا سويته: أي جعلته مساويا لبقية القبور، فلا يجوز رفع القبور -يعني- بالبناء عليها، ولا يجوز تجصيصها، أي: طلاؤها بذلك الجص الأبيض.
ولا يجوز امتهانها، فلا يجوز الاتكاء عليه، يعني: يتكئ عليه كما يتكئ على متكأ على ظهره أو على جنبه؛ لأن في ذلك امتهان له، ولا يجوز الوطء عليه، الوطء عليه بالدابة أو الوطء عليه بالحذاء، جاء في الحديث قوله -صلى الله عليه وسلم-: لأن يجلس أحدكم على جمرة فتخرق ثيابه وتخلص إلى جلده خير من أن يجلس على القبر فذلك لأن جلوسه يعتبر امتهانا لقبر أخيه المسلم فيحترم قبر المسلم ولا يجلس عليه ولا يطأ عليه، هذا إذا كان له علامة ظاهرة، أما إذا فني وطالت المدة أو صارت القبور مساكن كما في بعض البلاد فذلك +.
"ولا يدخل القبر خشبا" يعني أنواعا من الخشب الذي هو خشب الشجر، هكذا جاء النهي عنه وعلل بأن الخشب مما توقد به نار الدنيا، فلا يدخل خشبا تفاؤلا بأن الإنسان لا يدخل النار التي يوقد بها؛ ولهذا قالوا: "ولا ما مسته النار" أي: الشيء الذي مسته النار لا يدخل القبر: كالحديد أيا كان، والبلاط الذي قد مسته النار، والخزف الذي قد مسته النار، وما أشبه ذلك.
يوضع عليه اللبن، واللبن من الطين، وأما اللبن الذي مسته النار كالبلوك فإنه مست أصله الذي هو الأسمنت، قد مسته النار فلا يدخل في القبر، ينصب عليه اللبن إذا وضع في قبره، فاللبن ينصب على اللحد، كل لبنة يوضع أصلها على مستوى القبر وأعلاها على منتهى اللحد، هذا معنى كلام سعد في قولـه: "الحدوا لي لحدا وانصبوا علي اللبن نصبا".
يسن لمن حضره أن يحثو عليه التراب ثلاث حثيات، يمسك بيده ثم يحثو ويقول: "بسم الله وعلى ملة رسول الله" ثم يقبض حفنة ويحثو بها، "بسم الله وعلى ملة رسول الله" ثلاث حثيات، ثم بعد ذلك يُهال عليه التراب، يعني: يدفن إلى أن يعرف. وكانوا يستحبون أن يدفن بكل ترابه الذي حفر منه، أي: لا يتركون من ترابه شيئا ولا يزيدونه على ترابه، وإن خيف أنه يرتفع كثيرا اقتصر على رفعه قدر شبر أو شبرين.
التعزية
وسن تعزية أهله، وجعل علامة على المصاب، وإصلاح طعام لهم لا هم للناس .
--------------------------------------------------------------------------------
تسن تعزية أهل الميت، تعزية المصابين، جاء في حديث: من عزى مصابا فله مثل أجره هكذا جاء في الحديث وإن كان ضعيفا، روي: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى بنته فاطمة جاءت من قبل البقيع فسألها فقالت: جئت من أهل ذلك الميت فعزيتهم في ميتهم، أقرها على تعزية أهل الميت فإذا كان النساء يعزين، كذلك أيضا الرجال يعزون أهل الميت: أولاده وأبويه وإخوته وبني إخوته وأعمامه وبنيهم، يعني: أقاربه الذين هم أولى به، فإنهم قد أصيبوا بمصيبة يستحقون أن تأتيهم فتسليهم وتخفف عنهم -أي: أمر هذه المصيبة-، وتحثهم على الصبر، وتحذرهم من التشكي، وتحذرهم من النياحة ومن عمل الجاهلية.
يقول هنا: "وجَعْل علامة على المصاب" هكذا كانوا المصاب الذي مات أبوه يجعل عليه علامة، إما أن يلبس عمامة سوداء، وإما أن يلبس عباءة سوداء حتى يعرف فيعزى، هكذا ذكروا ولكن لا دليل على ذلك، وقد أنكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كثير من كتبه، ذكره في كتاب ( الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان )، وذكره أيضا في غيره من مؤلفاته، وذكره ابن القيم أيضا، دل ذلك على أن هذا من شعار الجاهلية، لا يجعل المصاب على بدنه شيئا علامة يعلم بها، بل يجلس في بيته ليعزيه من يريده.
لا مانع من أن يجتمع أهل الميت: أولاده وإخوته في بيت أحدهم؛ حتى يقصدهم المعزي الذي يريد أن يسليهم ويريد أن يحثهم على الصبر؛ وذلك لأنهم قد يكونون متفرقين، قد يكون بعضهم في شرق البلاد وفي غربها فيتكلف المعزي يذهب إلى هنا وإلى ههنا، فإذا اجتمعوا وجدهم بمكان فعزاهم وحثهم على الصبر ورغَّبهم في الأجر ونحو ذلك، وحصل على أجر التسلية، جاء في حديث عن حذيفة قال: "كنا نعد الاجتماع عند الميت وصنعة الطعام من النياحة" وكأنه يقصد أناسا يجتمع أهل القرية كلهم في مكان الميت، يجتمعون ولو مائة أو أكثر، يجلسون ثلاثة أيام وهم عند أهل الميت، ولا شك أنهم يكونون بذلك كأنهم عظموا هذه المصيبة، فيكون ذلك من النياحة.
وقد عَدَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- النياحة من أمر الجاهلية وقال: أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة، وقال: النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قَطِران، ودرع من جرب يعني: ميزة للنائحة -والعياذ بالله-؛ فلذلك لا تجوز النياحة.
يجوز إصلاح الطعام لأهل الميت، يصلح لهم أحد أقاربهم أو أحد جيرانهم؛ في الحديث عن عائشة قالت: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد أتاهم ما يشغلهم وذلك لأنهم في يوم المصيبة يحزنهم أمر المصاب فلا يتفرغون لإصلاح طعام لأطفالهم؛ فيصلح لهم أقاربهم طعاما بقدر كفايتهم في هذه الأزمنة، اعتادوا أن يصلحوا طعاما كثيرا يكفي أهل البيت ومثلهم معهم أو ثلاثة أمثالهم معهم.
فنقول: الأصل أنهم يصلحون لهم طعاما يكفي أطفالهم ونساءهم، ولا يكون في ذلك إسراف، وأما أن أهل الميت يصلحونه للناس فلا، في بعض البلاد إذا اجتمع أهل البلد أو اجتمعت القبيلة قد يكونون مائة أو نحوها، كلفوا أهل الميت بإصلاح ضيافة لهم، فربما يكلفونهم ويكون من ورثة الميت أطفال ويتامى فينفقون على أولئك الطالقين من مال ذلك الميت أو من مال أولئك اليتامى، فيكون في ذلك ضرر، ففي هذه الحال مَن عزَّى فلينصرفْ، من جاء يعزي جلس خمس دقائق أو نحوهم وانصرف، ولا يجلس يكلف أهل الميت إصلاح طعام وغير ذلك.
زيارة القبور
وللرجال زيارة القبور، فيسلم ويدعو لهم، ويجوز بكاء بلا ندب ونوح وشق، وأي قربة فعلها وجُعل ثوابها للميت المسلم نفعته بكرم الله ورحمته.
--------------------------------------------------------------------------------
تسن زيارة القبور للرجال؛ جاء في حديث قال -صلى الله عليه وسلم-: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها؛ فإنها تذكر الآخرة كان قد نهاهم في أول الإسلام؛ وذلك لأنهم حديثو عهد بكفر، ويخاف عليهم إذا زاروا القبور أن يعتقدوا في المقبورين أن المقبور ينفع ويشفع فيدعونه من دون الله، ويتبركون بتربته كما كانوا يفعلون في الجاهلية، فنهاهم عن زيارة القبور، فلما عقلوا وعرفوا التوحيد رخص لهم في زيارة القبور.
وعُلِّل ذلك بأنها تُذكِّر الموت وتذكر الآخرة، إذا زارهم فإنه يَعْتَبِر ويقول: هؤلاء كانوا معنا، كانوا يسابقوننا إلى المساجد، كانوا ينافسوننا في الأعمال، كانوا ينافسوننا في الخيرات، والآن قد انقضت آجالهم وانقضت أعمارهم، وصاروا إلى ما صاروا إليه، أفلا نعتبر بهم؛ فنحن مثلهم يأتينا ما يأتيهم؟! فيعتبرون بذلك ويتذكرون، فإنها تذكر الآخرة وفيها أيضا مصلحة، وهي أنهم يدعون للأموات؛ لأن هؤلاء الأموات قد انقطعت أعمارهم فيدعو لهم إخوانهم وينتفعون بذلك الدعاء.
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلمهم إذا زاروا القبور أن يقولوا: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنَّا إن شاء الله بكم لاحقون ويقول: اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم ويقول: نسأل الله لنا ولكم العافية ويقول: اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد يعني: مقبرة أهل المدينة، في هذا دعاء ينتفعون به؛ لأنهم قد انقطعت أعمالهم، فإذا دعا لهم أقاربهم وإخوانهم الذين يسلمون عليهم بقولهم: "اللهم لا تحرمنا أجرهم، واغفر لنا ولهم، نسأل الله لنا ولكم العافية، السلام عليكم، السلام والدعاء +كف لذلك مما يأتيهم أجره بعد موتهم، فيسن أن يدعو إذا زار القبور.
قوله: "وللرجال" يخرج النساء، فلا يجوز للنساء زيارة القبور؛ وذلك لوجود النهي، ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج هكذا جاءت "زائرت القبور" أو "زوارات القبور" فالأصل أن النهي للتحريم، واللعن يدل على الوعيد.
وجاء: أنه -صلى الله عليه وسلم- رأى نساء متوجهات إلى المقبرة فقال لهن: أتحملن فيمن يحمل؟ قلن: لا. فقال: أتدلين فيمن يدلي؟ قلن: لا. فقال: فارجعن مأزورات غير مأجورات أي: عليكن إزر، ولا أجر لكن، في رواية أنه قال: فإنكن تفتن الأحياء وتؤذين الأموات أي: أنكن فتنة على الأحياء وأذى للأموات، المرأة ضعيفة التحمل إذا زارت القبر وتذكرت ابنها أو أباها أو أخاها كان ذلك مما يحملها على الجزع والنياحة والصياح وما أشبه ذلك.
يجوز البكاء على الميت بلا ندب ونوح وشق، البكاء جاء الإباحة فيه: أنه -صلى الله عليه وسلم- لما مات ابنه إبراهيم قال: العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون هكذا أخبر، "العين تدمع" يعني بالبكاء، "والقلب يحزن" يعني يهتم بذلك، "ولا نقول إلا ما يرضي ربنا" ولما رفع إليه ابن ابنته وهو نفسه تقعقع فاضت عيناه بالبكاء، فقال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء .
وكان يقول: ألا تسمعون: إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا أو يرحم، وأشار إلى لسانه فلا مانع من البكاء؛ وذلك لأن الإنسان تغلبه نفسه فيحمله ذلك على أن يبكي وتدمع عيناه بالبكاء، ولكن يتجنب النياحة، ذكرنا قولـه -صلى الله عليه وسلم-: النائحة إذا لم تتب تقوم يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب يعني: في يوم القيامة إذا ماتت قبل أن تتوب -والعياذ بالله-.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية كان أهل الجاهلية إذا مات ميتهم يندبونه، فأولا ساعة ما يسمع يشق جيبة- ثوبه- لأنه أقرب شيء، ربما يشقه إلى أن تبدو عورته ونحو ذلك، وكذلك ينتف شعره، شعر وجهه أو شعر رأسه، والمرأة أيضا تنتف من شعرها، في حديث: أنه -صلى الله عليه وسلم- برئ من الصالقة والحالقة والشاقَّة قال: الحالقة هي التي تحلق شعرها، والصالقة: التي ترفع صوتها، والشاقة: التي تشق ثوبها، فكونه برئ من هؤلاء وقال: "ليس منا" يدل على تحريم ذلك.
الندب: هو نداء الميت بعد موته؛ وذلك لأنهم إذا مات ميتهم يدعونه باسمه، ولكن هذا النداء لا يسمى دعاء، ولكنه يسمى ندبا، إما أن يدعوه بصفته أو بقرابته أو باسمه، فباسمه كأن يقولوا: وا سعداه، وا محمداه، وا إبراهيماه، وا زيداه.. ينادونه مع أنه ميت، هذا يسمى اسما؛ قرابته أن يقولوا: وا أخواه، وا ولداه، وا أبواه، وا ابناه، وا أماه.. يعني يدعونه بقرابته، أما صفته التي يصفونه بها فقد يدعونه بما يفعله معهم، فيقولون: وا مطعماه، وا كاسياه، وا كافلاه، وا ناصراه، وا مؤوياه.. وأشباه ذلك، هذا هو الندب؛ يسمى ندبا لأنه نداء، ولكن ليس هو النداء المعروف، أنت إذا قلت: يا سعد. فإنك تناديه، وأما إذا قلت: وا سعد. فإنك تندبه، الندب -يكون- نداؤه بعد الموت، والنوح: هو رفع الصوت بالمصيبة والشق وتمزيق الشعر أو تمزيق الثياب.
يقول: "وأي قربة فعلها وجعل ثوابها للميت المسلم نفعته بكرم الله ورحمته" ، الظاهر أنه ليس خاصا بالميت بل الحي كذلك، فيجوز أن تحج عن أبيك وهو حي وتقول: اللهم تقبل حجتي أو عمرتي عن والدي، ولو كان حيا، وبطريق الأولى إذا كان ميتا أن تحج وتقول: لبيك حجا، اللهم تقبل حجتي عن والدي، أو عن والدتي، أو عن أخي، أو عن صديقي فلان، أو ما أشبه ذلك، هذه لا خلاف فيها، وكذلك أيضا الصدقة إذا تصدقت وقلت: اللهم اجعل ثواب هذه الصدقة لفلان، لأخي أو لقريبي أو نحو ذلك، لا خلاف أيضا أنها تنفعهم ويصل إليهم ثوابها.
واختلفوا في وصول الأعمال البدنية والأقوال، هل يصل إليهم أم لا؟ فمن ذلك القراءة، لو قرءوا قرآنا وقالوا: اللهم اجعل ثوابه لفلان، الصحيح أنه ينفعه، إلا إذا كان ذلك القارئ قد أخذ أجرا، إذا قالوا له: اختم القرآن بمائة واجعل أجره لوالدنا، هذا لا أجر له؛ لأن أجره قد أخذه، لأنه عمل عملا صالحا وتعجل أجره بهذه المائة، بخلاف ما إذا قرأ هو لم يأخذ أجره، كذلك لو كان القارئ أحد أقاربه وقرأه تبرعا.
وكذلك أيضا الذكر، لو قال: أنا أذكر الله، "لا إله إلا الله وحده لا شريك" له مائة مرة، أقول: اللهم اجعل أجرها لوالدي، ينفعه ذلك؛ وكذلك الأعمال البدنية: لو صليت مثلا ركعتين وثوبتهما لأحد أقاربك الأموات أو الأحياء على الصحيح وصله ذلك، وكذلك أيضا الصيام ولو كان عملا بدنيا، جاء في الحديث: قوله -صلى الله عليه وسلم- لتلك المرأة التي ذكرت أن أمها نذرت أن تصوم ولم تصم، فقال: اقض عنها، أرأيت لو كان علي أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله؛ فالله أحق بالوفاء .
مع أن الصوم عمل بدني ليس عملا ماليا، عمل كله بدني، ومع ذلك أمرها بأن تصوم عن أمها، وأما الحديث الذي فيه: لا يصوم أحد عن أحد، ولا يصلي أحد عن أحد فهذا الحديث يراد به أن يصلي عن إنسان قادر، أن يقول له: لو قال لك إنسان قوي سوي: يا فلان صلِّ عني صلاة الظهر أو صُمْ عني يوما من رمضان أو أياما من رمضان، ولو كان أباك وأخاك ما يجوز؛ وذلك لأنه مكلف بهذا العمل، مطلوب منه أن يعمله، فإذن لا يجوز له أن يوكل غيره.
فالحاصل: أن قوله: "أي قربة فعلها" يعني من القربات كالحج والعمرة والصدقة لا خلاف في ذلك، والذكر والقراءة والصلاة والصيام ففيها خلاف، ولعل الأقرب أنها تنفعه.
نكتفي بهذا، والله أعلم وصلى الله على محمد.
س: أحسن الله إليكم، سماحة الشيخ، سائل يقول: في بلادنا يكتبون على جبهة الميت: "لا إله إلا الله" فهل يوجد دليل على ذلك؟
ج: الأولى أنهم يذكرون الله -تعالى- سرا، أي: يكون الذكر خفيا، فأما الذكر الذي يرفعونه عندما يحملون الميت، سمعناه بمكة، عندما يحملونه إلى أن يضعوه وهم يرفعون أصواتهم: "لا إله إلا الله" "لا إله إلا الله" لا شك أن ذكر الله -تعالى- مأمور به، ولكن في هذه الحال لا أصل له، يقول الله -تعالى-: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ كذلك أيضا الكتابة على جبهته لا أصل لها، الأولى أنهم لا يكتبون عليه ولا يفيده ذلك.
س: أحسن الله إليكم، ويقول آخر: في بلادنا يكشف وجه الميت قبيل قبره، هل يجوز ذلك؟
ج: يقول ذلك بعضهم، أنه عندما يوضع الميت في القبر يكشف عن وجهه، ولكن لا دليل على ذلك، الأصل أنه يبقى على تكفينه.
س: أحسن الله إليكم، وهذان سائلان من ألمانيا والكويت يقولان: هل ترفع اليدين عند التكبيرات في صلاة الميت؟
ج: من السنة أن يرفع اليدين عند كل تكبيرة، يرفعها إلى منكبيه ثم يدليها، وهذا يكون في كل التكبيرات التي ليس بها حركة، يفعل ذلك ابن عمر -رضي الله عنه- وهو من الذين يقتدون بالسنة النبوية.
س: أحسن الله إليكم، يقول: في بلادنا يضعون الأشجار والزهور على القبور بعد الدفن، ويستدلون على فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما وضع أغصان النخل أو العسب على القبر أنها تخفف العذاب؟
ج: لا يجوز ذلك، فإن هذا خاص بقبرين وجدهما -صلى الله عليه وسلم- أطلعه الله أنهما يعذبان، أحدهما كان لا يتنزه من البول، والآخر يمشي بالنميمة، فأخذ جريدة وشقها نصفين وغرز بكل واحد واحدة؛ لعله أن يخفف عنهما ما لم تيبسا، وأما هذه الزهور لا أصل لها، وأيضا الجريد ما فعله الصحابة، ونحن لا نعلم الغيب ولا ندري أن هذا يعذب أو ينعم، فلا يجوز وضع هذه الأشياء.
س: أحسن الله إليكم، سماحة الشيخ: اعتاد الناس على الاجتماع للعزاء، ويعطلون أعمالهم ويكثر اللغط في هذه المجالس، وأصبحوا يستأجرون فرشا للعزاء وكراسي، ومن يصب القهوة والشاي، وينكرون على من ينكر عليهم ذلك؟
ج: نرى أن هذا من المبالغة، يدخل في كلام حذيفة في قوله: "كنا نعد الاجتماع عند أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة" فهذا الاجتماع الزائد، وكذلك إصلاح الأطعمة، وكذلك إطالة المقام يدخل في النياحة؛ وذلك لأنهم يهولون أمر الميت ويلفتون أنظار الناس، وما أشبه ذلك، مَنْ سلَّم فإنه ينصرف.
أحسن الله إليكم، وصلى الله على محمد.